هارون الرشيد
وفتوى الجنة
في يوم من الأيام، وفي لحظة ڠضب شديد، قال هارون الرشيد لزوجته: “أنتِ طالق إن لم أكن من أهل الجنة”. كلمات قالها وهو مشحون بالمشاعر، ليعبر عن مدى حبه وتقديره لها، وكأنها قطعة من الجنة بالنسبة له. لكن سرعان ما ندم على هذا القول، فقد كان يحبها حبًا جمًا، وهي كذلك شعرت بحزن عميق.
في محاولة لإيجاد حل، جمع هارون الرشيد العلماء ليستفتيهم، لكنهم أجمعوا على صعوبة الفتوى، فمن منهم يجرؤ على القول بأنه من أهل الجنة؟ وهكذا، وجد هارون نفسه في مأزق حقيقي، فطلب من رجاله البحث عن عالم آخر يمكنه الإفتاء في هذه المسألة.
وهنا يأتي دور الليث بن سعد، العالم الجليل الذي كان يعيش بعيدًا عن الأضواء. الليث، الذي كان يُعتبر أفقه من مالك بن أنس نفسه، لكن لم يحظ علمه بنفس الانتشار بسبب قلة تلامذته. عندما وصل الليث، أظهر العلماء احترامهم الشديد له، وبعد أن خلا به هارون الرشيد، طلب منه الليث أن يقسم بالصدق.
بعد القسم، سأل الليث هارون إن كان قد ذكر الله يومًا بصدق وخشوع حتى بكى، وعندما أكد هارون ذلك، فتح الليث القرآن على سورة الرحمن وقرأ: “ولمن خاف مـقام ربه جنـتان”. بهذا، بشړ الليث هارون الرشيد بجنتـين، مستدلاً بالقرآن الكريم.
عندما عاد العلماء، شرح لهم الليث ما حدث، وأجمع الجميع على صحة فتواه. وهكذا، تُظهر لنا هذه القصة أهمية الخشوع والصدق في ذكر الله، وكيف أن الخۏف من مقام الرب يمكن أن يكون سببًا في نيل الجنة.
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: “أن أدمع من خشــية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار”. ويذكرنا النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن من بكى من خشية الله لن يلج الڼار.
أخي الحبيب، قصص التاريخ ليست للتسلية فقط، بل هي للعبرة والاستفادة. فلا تمر على هذه القصص مرور الكرام، بل دعها تكون دافعًا لنا للتفكر والعمل الصالح. ولا تنسى أن تصلي وتسلم على سيد الخلق أجمعين، محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا أقل ما يمكننا تقديمه تجاه هذا الدين العظيم.