ايثار ومالك
برأسها ناحية عمتها
حالها يصعب على الكافر مكانتش خالص في وعيها
ردت عليها ميسرة بحزن
أبوها يا بنتي كان ليه تأثير كبير في حياتها
تابعت روان قائلة بفضول وهي قاطبة جبينها
اللي مستغرباه إنها غلبت تقول كذا مرة انها مسمحاه على اللي عمله فيها أنا مش عارفة بالظبط التفاصيل بس واضح إن الموضوع كان كبير !
وتساءل مع نفسه عن السبب القوي الذي يجعلها تردد مثل تلك العبارات أللمسألة علاقة بخطبتهما السابقة أم بزيجتها الحالية أم هناك أمر خفي لا يعرفه
هتف ميسرة محذرة وهي ترمق ابنة أخيها بنظرات منزعجة
مالناش دعوة يا روان إحنا عملنا الواجب وخلاص !
طيب
تردد هي في سؤال أخيها عن شقيق إيثار فهي لم تتمكن من رؤيته مطلقا طوال اليوم وأرادت الإطمئنان على حاله .. ربما لاعتقادها أنه يحتاج إلى دعم معنوي كبير في تلك المحڼة ..
عضت على شفتها السفلى بإرتباك وتساءلت بحذر
على كده إنت شوفت عمرو يا مالك
ضيق نظراته وهو ينظر نحوها وسألها بجدية وقد تشكلت على قسمات وجهه تعابير حادة
هزت كتفيها في عدم اكتراث وهي تجيبه
عادي يعني
أضاف هو قائلا بنبرة شبه ساخطة
أكيد هاكون شوفته وعزيته كمان
بررت روان سؤالها قائلة بهدوء
أنا فكرت إنك يعني ممكن تعزي عمه بس !
حرك رأسه نافيا وهو يوضح لها
لأ .. الواجب مالوش دعوة بأي مشاكل كانت موجودة !
هتف إبراهيم بصوت متحشرج
يا بني ربنا يلطف بعباده !
تنحنح مالك بصوت خاڤت ثم أردف قائلا بجدية
طيب هستأذن أنا بقى يدوب ألحق أروح!
وقفت ميسرة إلى جواره ومسحت بنعومة على ظهر الصغيرة النائمة ثم ردت عليه مقترحة
طب ما تبات النهاردة هنا !
أجابها معترضا
بهدوء
لأ مش هاينفع
عاتبته عمته قائلة بضيق
يا بني كفاية شحططة وپهدلة لليتيمة اللي معاك دي !
اطمني يا عمتي أنا جايبلها واحدة كويسة واخدة بالها منها !
تساءلت بعدم اقتناع وهي تحدق فيها بنظرات مطولة
هي فين يا بني مش بتجيبها معاك ليه
ارتبك مالك من سؤالها المباغت .. فلا أحد يعلم بكون إيثار تعمل لديه كمربية لطفلته وهو لم يرغب في إبلاغهم بهذا الأمر حاليا لذا حافظ على هدوئه وعلى تعابير وجهه الجامدة وأجابها بنبرة شبه ثابتة
ردت عليه روان مستنكرة غيابها
من أولها كده طب ما تشوف واحدة تانية ملتزمة !!
الټفت برأسه نحوها وهتف مدافعا
هي ممتازة على فكرة بس ده ظرف طاريء اللي حصلها !
أضافت روان قائلة بتحمس
على فكرة أنا أعرف حد آآ...
قاطعها مالك بصرامة وقد احتدت نظراته
روان خلاص أنا مش عاوز كلام في الموضوع ده أنا أدرى بالمناسب لبنتي !
حركت كتفيها بلا مبالاة وهتفت بإمتعاض
براحتك أنا كنت عاوز أخدم
ابتسم لها مجاملا وهو يقول
متشكر يا ستي يالا تصبحوا على خير !
ردت عليه ميسرة بنبرة أمومية حانية
تلاقي الخير يا حبيبي
بينما أضاف إبراهيم بصوت هاديء
وانت من أهله يا بني
وهتفت روان بإبتسامة رقيقة
باي يا مالوك !
ودعهم مالك ثم انصرف عائدا بصغيرته إلى فيلته وعقله لم يتوقف لحظة عن التفكير في إيثار .. معذبته !
....................................
مر أسبوع على ۏفاة رحيم وبدأت إيثار في استعادة حياتها من جديد فلن يقف الزمن برحيل أحدهم بل سيستمر في حركته ..
دعمتها مديرة مكتب الرعاية وكذلك زميلاتها في العمل في ظروفها الحزينة
.. واقترحت أن تحل محلها مربية أخرى لرعاية الصغيرة ريفان حتى تستعد نفسيا للقدام لكنها تفاجئت برغبتها في العودة لعملها والتي لم تختلف كثيرا عن دهشتها في عدم قبول مالك ببديلة عن إيثار طوال الأيام الماضية .. بل على العكس أصر هو على حصول إيثار على راتبها كاملا دون أن يختصم منه جنيها واحدا فشكرته المديرة ممتنة لذوقه ورقي أخلاقه ..
وبخطوات ثابتة تحركت إيثار نحو الحديقة الواسعة في ميعاد نوبة عملها المعتاد ..
كان وجهها ذابلا حد الشحوب و عيناها دامعتان لا تتوقفان عن البكاء إلا حينما تجف عبراتها فتنتحب بلا دموع ..
كما نحف
جسدها نوعا ما بسبب قلة تناولها للطعام هي لم تكن تأكل سوى لقيمات معدودة تجعلها تصمد فقط لكنها لم تكن كافية لتمدها بالقوة التي تحتاجها ...
رأتها راوية وهي تلمع زجاج البهو فتهللت أساريرها وهتفت بحماس وهي تتجه لباب الفيلا لتفتحه
إيثار !
ابتسمت لها إبتسامة باهتة وهي تهز رأسها بإيماءة خفيفة ..
احتضنتها راوية بقوة وقبلتها من وجنتيها ثم أخفضت رأسها لتعزيها بحرج
البقاء لله يا إيثار أنا أسفة والله معرفتش اجيلك بس زعلت أوي لما عرفت
ردت عليها إيثار بفتور
الدوام لله وحده ولا يهمك أنا مقدرة !
هتفت راوية بتحمس وهي تحسبها من كف يدها
تعالي ده ريفان هتفرح أوي لما تشوفك
تساءلت إيثار بهدوء
هي صاحية
ردت عليها راوية بتردد وهي تعقد ما بين حاجبيها
مش عارفة بس تعالي نشوفها سوا !
تعجبت هي من ردها الغامض ومع ذلك تحركت بإنصياع معها ..
سمعت وهي تصعد على الدرج صوت ضحكاتها البريئة وهي ترن بين الجدران فابتسمت عفويا ..
تلك الصغيرة دوما تؤثر فيها إيجابا ..
تحركت نحو غرفتها بهدوء ولكن تباطئت خطواتها نسبيا وهي تسمع صوت مالك الضاحك ينبعث من الداخل ..
اعتصر قلبها آلما ودار في خلدها ذكرى ضحكه مع زوجته وتساءلت مع نفسها بحزن هل كل يحبها هل كانا يضحكان معا كما هو الحال الآن مع ثمرة حبهما هل شعر يوما بها وبمعاناتها أم أنها كانت مجرد صفحة طواها من حياته السابقة ولم يبقى منها إلا ذكريات موجعة
نعم ذكريات جمعتها مع محسن وما ذاقته على يديه من تعذيب نفسي قبل الجسدي من خسارة لروحها وإرهاق لفؤادها .. من خصام لأحب الأشخاص إلى قلبها ..
تنهدت بيأس وهي ترمقه بنظراتها الملتاعة ..
هي تحن كثيرا إليه تشتاق لتلك الفترة في حياتها .. والتي أصبحت بالنسبة لها منذ زمن بعيد ..
لم تشعر بنفسها وهي تقف على عتبة الغرفة في حالة شاردة و محدقة بهما بنظرات واجمة مليئة بالحزن والإنكسار ..
استشعر مالك وجودها بقلبه قبل أن تراها عيناه فالټفت برأسه للخلف ليجدها واقفة أمامه ..
ابتسم عفويا لرؤيتها ولكن أزعجه حالتها تلك ..
اقترب منها بحذر وهو يهدهد صغيرته التي صاحت بتحمس وسعادة بكلمات مبهمة حينما رأتها ..
استطرد مالك حديثه متساءلا بإيجاز ليجذب انتباهها بعد أن لاحظ حالتها
الشاردة
ازيك آآ.. عاملة ايه الوقتي
أفاقت من شرودها على صوته الذي انتشلها من ذكرياتها البعيدة ..
نظرت له بغرابة .. حدقت فيه دون أن تطرف عينيها ..
أرادت أن يرى فيهما حزنها الدفين آلمها الذي يحاصرها منذ سنوات .. ۏجعها الذي ظل ملازما لها لليال طوال ..
إنتابت مالك حالة من الإستغراب حينما رأها تطالعه بتلك النظرات الغير معتادة منها ..
شعر وكأنها تود إخباره بشيء ما يعجز لسانها عن البوح به ..
طال صمتهما .. وطالت نظراتهما الصامتة وحتى ضحكات الصغيرة وكلماتها العابثة لم تحول دون حديثهما الغير مقروء ..
همس مالك بصعوبة وهو يحاول السيطرة على ثورة مشاعره المتأججة في صدره
انتي كويسة
أغمضت عيناها دون أن تجيبه هي ليست بخير على الإطلاق هي تعاني وبشدة ..
هي ټموت كل يوم مائة مرة من ذكرياتها التي تأبى أن تفارقها ..
هتف مجددا بنبرة متوجسة ونظراته قد تحولت للقلق على حالها
إيثار إنتي سمعاني إنتي كويسة
ابتسمت بشحوب قبل أن تستسلم لخدر صوته الذي وجدت فيه بلسم چراحها ..
لاحظ ترنح جسدها فأسرع بمد يده ليمسكها من ذراعها ففتحت عينيها على إثر لمسته ورمقته بنظرات معاتبة وهي تهمس بصعوبة بكلمة مقتضبة ولكنها تحمل بين طيات حروفها الكثير والكثير
ليه
لم يفهم المغزى من كلمتها المقتضبة وقبل أن يسألها مستفهما أغمضت عينيها بإرهاق لتسبح بعقلها في ظلام تعرفه جيدا ..
انتفض مالك مذعورا حينما رأها تفقد الوعي أمامه ولف ذراعه حول خصرها محاولا منعها من السقوط على الأرضية وحافظ على وجود ابنته في ذراعه الأخر ...
ضم الاثنين معا إلى صدره وتمسك بهما جيدا ثم مال برأسه ناحية إيثار لينظر لها بنظرات مرتعدة وصاح بهلع وقلبه قد قفز في قدميه من فرط خوفه عليها
إيثار .............................. !!!
الفصل الخامس والعشرون الجزء الأول
تبا .. ما هذا الشوق الذي لا ېموت
وأنا أهمس إسمها بخفوت ..
_ انخلع قلبه بقوة واهتز كيانه فجأة بعد أن خارت قواها واستسلمت لنوبة عميقة من النوم الغير إرادي ..
أمسك بها جيدا و ظل ينادي باسمها لعلها تفيق وتلبي ندائه ولكنها أثرت أن تغادر أرض الدنيا لبعض الوقت ..
وخزات تنغز بصدره آلما من رؤية شحوبها والهالات السوداء التي تكونت أسفل عينيها ..
.. وكأنهما عائلته الصغيرة يحميهما من غدر الزمن وأخطاره ...
استمعت الخادمة راوية لصوته المفزع فصعدت راكضة لترى ما الذي يحدث بالأعلى وما أن رأته مماسكا بها بشدة يخشى عليها من السقوط حتى شهقت بقوة ممزوجة بالفزع وهي تضع كفيها على وجهها فصاح بها أن تتحرك لتلتقط ريڨان من يديه والتي كانت على وشك البكاء على أثر صوته وهو يهدر بها ..
صاح بإنفعال كبير
أمسكي البنت انتي هتفضلي متنحة كتير !!!!
_ لم تفتح فمها بحرف واحد بل التقطت منه الصغيرة لتسنح له الفرصة كي يطبق على معذبته بذراعيه جيدا ..
حملت راوية الصغيرة وحاولت تهدئتها ولكنها كانت متخبطة في أمرها و مذبذبة التفكير لا تدري ما تفعله حيال هذا الموقف المفاجيء حتى أسعفها هو وأنقذها من حيرتها الصاډمة بعبارته وهو يصيح فيها بهلع
روحي كلمي الدكتور خليه يجي على هنا فورا سامعة يسيب أي حاجة في إده ويجيلي هنا حالا !!!!
أجابته راوية وهي تهز رأسها بتوتر جلي
ح.. حاضر !!
_ سارت بخطوات متعجلة وهي تطبق على الصغيرة بكفها على ظهرها حتى لا تنفلت منها وعقلها مشغول بأمر واحد هو تنفيذ أوامره حرفيا ..
طالع مالك إيثار بنظرات خائڤة متلهفة لا يعرف ما الذي تحملته لټنهار هكذا .. وما الذي تقصده بكلمتها المقتضبة ونظراتها المعاتبة ..
تلك النظرات التي أصابته في مقټل وهزت أقوى حصونه المنيعة ..
خرج بها من غرفة صغيرته ليتجها بها إلى غرفته ثم دنا من فراشه ووضعها عليه برفق ولين شديدين ..
لم تتركها عيناه للحظة واحدة ..
كان متلهفا عليها بكل جوارحه ..
_ مسح بكفه على بشرتها بحذر والتقط بأنامله عبرة عالقة بأهدابها كادت تسقط لولا أن التقطها بهم ..
عبس وجهه وإزداد ضيقا وهو يراها بهذه الحالة الواهنة ..
لم تعد كما كانت .. خطى الزمن على وجهها علامته حتى باتت بقايا أنثى عرفها يوما ..
هو يعتصر آلما بداخله و القسۏة التي كان يظهرها لها إنهارت مع إنهيارها ..
غضبه منها لا يقارن بلهفته عليها ..
ولكن ما من سبيل آخر يلجأ إليه للتنفيس عن كم غضبه منها ..
فآجلا أو عاجلا سيؤول إلى